.قال السمرقندي في الآيات السابقة:
قوله عز وجل:
{مُّنيبينَ إلَيْه}.انصرف إلى قوله:
{فَأَقمْ وَجْهَكَ} يعني: فأقبل بوجهك منيبًا إليه.ويجوز أن يخاطب الرئيس بلفظ الجماعة، لأن له أتباعًا.وإنما يراد به هو وأتباعه كما قال:
{أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَديدًا فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ءَامَنُوا قَدْ أَنزَلَ الله إلَيْكُمْ ذكْرًا} [الطلاق: 10]
{مُّنيبينَ إلَيْه} يعني: راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد.
{واتقوه وَأَقيمُوا الصلاة} يعني: وأتموا الصلوات الخمس
{وَلاَ تَكُونُوا منَ المشركين} على دينهم
{منَ الذين فَرَّقُوا دينَهُمْ} يعني: تركوا دين الإسلام الذي أمروا به.
{وَكَانُوا شيَعًا} فجعلوه أديانًا يعني: تركوا دينهم وصاروا فرقًا اليهود والنصارى والمجوس، قرأ حمزة والكسائي:
{فارقوا} بالألف.وقرأ الباقون
{الذين فَرَّقُوا} بغير ألف.فمن قرأ: فارقوا يعني: تركوا دينهم.ومن قرأ
{فَرَّقُوا} دينهم يعني: افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اثنتين وسبعين فرقة، والمسلمون ثلاثة وسبعين فرقة
{كُلُّ حزْبٍ بمَا لَدَيْهمْ فَرحُونَ} يعني: كل أهل دين بما عندهم من الدين راضون.قوله عز وجل:
{وَإذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} يعني: إذا أصاب الكفار شدة
{دَعَوْا رَبَّهُمْ مُّنيبينَ إلَيْه} يعني: منقلبين إليه بالدعاء عند الشدة والقحط
{ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً} يعني: إذا أصابهم من الله نعمة، وهي السعة في الرزق والخصب
{إذَا فَريقٌ مّنْهُمْ برَبّهمْ يُشْركُونَ} يعني: تركوا توحيد ربهم في الرخاء، وقد وحّدوه في الضراء.قوله عز وجل:
{ليَكْفُرُوا بمَآ ءاتيناهم} قال مقاتل: تقول أذاقهم رحمة لئلا يكفروا بالذي أعطاهم من الخير.ويقال: كانت النعمة سبيلًا للكفر فكأنه أعطاهم لذلك، كما قال:
{فالتقطه ءَالُ فرْعَوْنَ ليَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إنَّ فرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خاطئين} [القصص: 8] وقرىء في الشاذ يشركون ليكفروا، بجزم اللام فيكون أمرًا على وجه الوعيد والتهديد.ثم قال:
{فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني: فتمتعوا قليلًا إلى آجالكم فسوف تعلمون ما يفعل بكم يوم القيامة.ثم قال عز وجل:
{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سلطانا} يعني: كتابًا من السماء
{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} يعني: ينطق
{بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ} يعني: بما كانوا يقولون من الشرك.اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به النفي يعني: لم ينزل عليهم حجة بذلك.وقال القتبي: فهو يتكلم فهو من المجاز ومعناه: أنزلنا عليهم برهانًا يستدلون به، فهو يدلهم على الشرك.ويقال: أم أنزلنا عليهم عذرًا بذلك.ثم قال عز وجل:
{وَإذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً فَرحُوا بهَا} يعني: المطر والسعة
{وَإن تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ} يعني: الجوع والشدة
{بمَا قَدَّمَتْ أَيْديهمْ} يعني: جزاء لذنوبهم
{إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} يعني: آيسين من الرزق.قرأ أبو عمرو الكسائي:
{يَقْنَطُونَ} بكسر النون.وقرأ الباقون بالنصب. وهما لغتان ومعناهما واحد.ثم وعظهم ليعتبروا ويطمئنوا بالرزق فقال عز وجل:
{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لمَن يَشَاء} يعني: يوسع، وكان يرى صلاح العبد في ذلك.
{وَيَقْدرُ} يعني: يضيق العيش.ويكون صلاحه في ذلك من البسط والتقتير
{إنَّ في ذَلكَ} يعني: في البسط والتقتير
{لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} يعني يصدقون.قوله عز وجل:
{فَئَات ذَا القربى حَقَّهُ} يعني: فأعط ذا القربى حقه، وحق القرابة هو الصلة
{والمساكين} يعني: أعط السائل حقه، وحقه أن يتصدق عليه بشيء
{وابن السبيل} يعني: الضيف النازل، وحقه أن تحسن إليه
{ذلك خَيْرٌ} يعني: الذي وصف من صلة القرابة، والمسكين، وابن السبيل، ذلك خير
{لّلَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ الله} يعني: أي يريدون بذلك رضاء الله، خير من الإمساك عندهم.
{وأولئك هُمُ المفلحون} يعني: الناجون.ويقال: الباقون في النعمة.ويسمى السحور فلاحًا لأنه يبقي للصائم قوة
{وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن ربًا} يعني: ما أعطيتم من عطية
{لّيَرْبُوَا في أَمْوَال الناس} يعني: ليزدادوا في أموال.ومعناه: ما أعطيتم من عطية لتلتمسوا بها الزيادة
{فَلاَ يَرْبُوا عَندَ الله} أي: فلا تضاعف تلك العطية عند الله عز وجل، ما أعطيتم عند الله ولا يأثم فيه.وروى معمر عن قتادة عن ابن عباس قال: هي هبة يريد أن يثاب أفضل منها.فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يؤجر فيه صاحبه، ولا إثم عليه.
{وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن ربًا} قال: هي الصدقة
{تُريدُونَ وَجْهَ الله فَأُوْلَئكَ هُمُ المضعفون} وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله.وقال عكرمة: الربا ربوان: ربا حلال، وربا حرام.فأما الحلال فهو هبة الرجل يريد أن يثاب ما هو أفضل منها.وأما الحرام فزيادة خالية عن العوض في عقد المعاوضة.وهو نوعان: ربا الفضل، وربا النساء.عرف ذلك في كتب الفقه.قرأ ابن كثير
{وَمَا ءاتَيْتُمْ} بغير مد يعني: ما جئتم.وقرأ الباقون: بالمد يعني: ما أعطيتم. واتفقوا في الثاني أنه بالمد.وقرأ نافع
{لتربو} بالتاء والضم، والباقون بالياء والنصب.فمن قرأ بالنصب، فمعناه: لتستزيدوا أنتم زيادة في المال.يعني: لتكثروا أموالكم بما أعطيتم.ومن قرأ:
{ليربو} بالياء معناه: ليربو المعطي فيكثر حتى يرد ما هو أكثر منه.ثم بيّن ما يربو فيه فقال:
{وَمَا مّن كتاب زكواة} يعني: ما أعطيتم من صدقة تريدون وجه الله يعني: رضا الله.ففيه الإضعاف.فأولئك هم المضعفون للواحد عشرة فصاعدًا.ويقال:
{المضعفون} أي: الواجدين من الضعف.كما يقال: أكذبته إذا وجدته كاذبًا.ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده فقال عز وجل:
{الله الذي خَلَقَكُمْ} ولم تكونوا شيئًا
{ثُمَّ رَزَقَكُمْ} يعني: أطعمكم ما عشتم في الدنيا
{ثُمَّ يُميتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم
{ثُمَّ يُحْييكُمْ} للبعث بعد الموت، لينْبّئكم بما عملتم في الدنيا ويجازيكم
{هَلْ من شُرَكَائكُمْ مَّن يَفْعَلُ من ذَلكُمْ مّن شَىْء} يعني: يفعل كفعله.ثم نزّه نفسه فقال:
{سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْركُونَ} وقد ذكرناه.ويقال: الله الذي خلقكم وطلب منكم العبادة، ثم رزقكم وطلب الطمأنينة، ثم يميتكم وطلب منكم الاستعداد للموت، ثم يحييكم وطلب منكم الحجة والبرهان.
{ظَهَرَ الفساد في البر والبحر} يعني: قحط المطر، ونقص الثمار للناس والدواب.يعني: نقص النبات في البر للدواب والوحوش؛ وفي البحر يعني: القرى والأرضين ينقصان الثمار والزرع.سمى القرى والمدائن بحرًا لما يجري فيها من الأنهار.ويقال: البحر نفسه لأنه إذا لم يكن مطر، فإنه لا يخرج منه اللؤلؤ
{بمَا كَسَبَتْ أَيْدى الناس} أي: بما عملوا من المعاصي.ويقال: من أذنب ذنبًا فجميع الخلق من الإنس والجن، والدواب والوحوش، والطير والذر، خصماؤه يوم القيامة، لأنه يمنع المطر بالمعصية، فيضرّ بأهل البر والبحر.وروي عن ثقيف الزاهد أنه قال: من أكل الحرام، فقد خان جميع الناس، حيث لا يستجاب دعاؤه.ويقال:
{ظَهَرَ الفساد في البر والبحر} يعني: ظهرت المعاصي في البر والبحر
{بمَا كَسَبَتْ أَيْدى الناس} يعني: بكسب الناس.فأول فساد البر كان من قابيل حيث قتل أخاه هابيل، وأول فساد البحر كان من جلندا حيث كان يأخذ كل سفينة غصبًا.وقال عطية العوفي: ظهور الفساد قحوط المطر.قيل له: هذا فساد البر فما فساد البحر؟ قال: إذا قلّ المطر قلّ الغوص.وقال قتادة
{ظَهَرَ الفساد في البر والبحر} يعني: امتلأت الضلالة والظلم في الأرض.وروي عن أبي العالية أنه قال البر: الأعضاء والبحر: القلوب يعني: ظهر الفساد في الناس في الأعضاء وفي القلوب.ثم قال:
{ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَملُوا} يعني: يعذبهم ببعض ذنوبهم في الدنيا، ويّدخر البعض في الآخرة.والذوق إنما هو كناية عن التعذيب.فكأنه يقول: يعذبهم بالجوع والقحط في الدنيا
{لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} أي: لكي يرجعوا عن الكفر.قرأ ابن كثير:
{لّنُذيقَهُمْ} بالنون أي: لنذيقهم نحن.وقرأ الباقون: بالياء يعني: ليذيقهم الله عز وجل.ثم خوّفهم فقال عز وجل:
{قُلْ سيرُوا في الأرض} أي: سافروا فيها
{فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين من قَبْلُ} يعني: كيف كان آخر أمر من كان قبلهم
{كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْركينَ} فيعتبروا بذلك.والنظر على وجهين.يقال: نظر إليه إذا نظر بعينه، ونظر فيه إذا تفكر بقلبه.وهاهنا قال:
{فانظروا} ولم يقل فيه، ولا إليه.فهو على الأمرين جميعًا.ثم قال عز وجل:
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّينَ القيم} يعني: أخلص دينك الإسلام القيم.يعني: المستقيم.ويقال: أقبل بوجهك إليه.ويقال: اثبت عليه.
{من قَبْل أَن يَأْتىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ منَ الله} يعني: يوم القيامة لا يقدر أحد أن يرد ذلك اليوم من الله.ويقال: يعني: ذلك اليوم من الله.ويقال: لا خلف لذلك الوعد من الله
{يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ} يعني: يتصدعون.فأدغم التاء في الصاد وشدد.يعني: يتفرقون فريق في الجنة، وفريق في السعير.ثم قال عز وجل:
{مَن كَفَرَ فَعَلَيْه كُفْرُهُ} يعني: جزاء كفره وعقوبته
{وَمَنْ عَملَ صالحا} يعني: وحّده وعمل بالطاعة بعد التوحيد
{فَلانفُسهمْ يَمْهَدُونَ} قال مقاتل: أي يقدمون.وقال مجاهد.يعني: لأنفسهم يفرشون في القبر.ويقال: في الجنة.ويقال: فلأنفسهم يعملون ويستعدون.قوله عز وجل:
{إلَيْه مَرْجعُكُمْ جَميعًا} ينصرف إلى قوله يصدعون.يعني: يتفرقون لكي يجزي الذين آمنوا
{وَعَملُوا الصالحات من فَضْله} يعني: من رزقه.ويقال: من ثوابه.ويقال: بفضله
{إنَّهُ لاَ يُحبُّ الكافرين} بتوحيد الله عز وجل.ويقال: لا يرضى دين الكافرين.ثم قال عز وجل:
{وَمنْ ءاياته أَن يُرْسلَ الرياح} يعني: ومن علامات وحدانيته أن يعرفوا توحيده بصنعه، أن يرسل الرياح
{مبشرات} بالمطر.ويقال: يستبشر بها الناس.ويقال: فإذا كان الاستبشار به ينسب الفعل إليه
{وَليُذيقَكُمْ مّن رَّحْمَته} يعني: ليصيبكم من نعمته وهو المطر
{وَلتَجْرىَ الفلك بأَمْره} يعني: السفن تجري في البحر بالرياح بأمره
{وَلتَبْتَغُوا من فَضْله} يعني: لتطلبوا في البحر من رزقه كل هذا بالرياح
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} رب هذه النعم فتوحدوه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا من قَبْلكَ} يا محمد
{رُسُلًا إلى قَوْمهمْ موسى بالبينات} بالأمر والنهي، فكذبوهم كما كذب قومك
{فانتقمنا منَ الذين أَجْرَمُوا} بالعذاب يعني: من الذين كفروا
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا} يعني: واجبًا علينا
{نَصْرُ المؤمنين} بالنجاة مع رسولهم.وإنما هو وجوب الكرم، لا وجوب اللزوم.